درويش الجن (١)
قصة جحيم المقابر انا بمارس المهنة دي من ٤٠ سنة.. مهنتي ومهنة ابويا.. كان دايمًا بيقولي ده شغلنا وأكل عيشنا وورث جدودنا وكأننا بنشتغل في البقالة.. احنا مكناش دجالين.. احنا كان تحت ايدنا خُدام من الجن.. محدش عارف مين فينا بيخدم مين بس العهد اللي بين جدي الكبير ويينهم إنهم ينفذوا طلباتنا.. نأذي حد.. نكره حد في حد.. نحبب حد في حد.. نحمي حد من شر.. نكون احنا الشر!
اي طلب.. والمقابل مننا كان ايه.. ده اللي عرفته بعدين
بعد ما تميت ال١٠ سنين لقيت ابويا بيقولي جه دورك علشان تستلم ورثك.. وبدأ ياخدني معاه الشقة اللي كان بيقابل فيها الناس.. مكنتش شقة دي كانت جهنم.. من أول ما دخلت وانا حسيت بحاجة مش طبيعية.. أصوات مش طبيعية.. صوابع بتمشي على جسمي.. وقفت دقايق على باب الشقة متلبش.. سمعت صوت ضحكة ابويا وهو بيقولي “متخافش يا أكرم دول بيرحبوا بالوريث الجديد”
وكأن بركانهم كان مستني إشارة ابويا عشان ينفجر.. صريخ عالي.. مكنتش قارد أميز ده ضحك ولا صريخ ولا عياط.. ايًا كان.. كانت أصوات كتير متداخلة.. حاولت ٱسد ودني بإيدي لكن ابويا منعني.. الصوت كان قوي لدرجة إني حسيت بودني بتنزف.. وفجأة الصوت سكت.. سكت كأني أنا اللي مبقتش سامع حاجة.. كل حاجة حواليا كانت بتتحرك في الهواء بجنون.. أشباح وخيالات بتطوف حواليا.. حاولت أتكلم اكسر الصمت ده وأعرف العيب من ودني فعلا ولا لا.. صوتي مكنش طالع.. أنا أطرشيت؟
الرؤية.. الرؤية كمان بدأت تختفي.. كل حاجة بتسود.. ماعدا نور خفيف جاي من بعيد.. بقعة مضيئة في وسط عتمة.. وكأن النقطة بتكبر.. أو بتقرب.. ولما بقيت قريب منها بما فيه الكفاية حددت ملامحها.. كان شخص.. راجل واقف ومديني ضهره.. كان بينور!
بيشع ضوء من كل جسمه.. ومع لفة جسمه لقيت أبشع كائن شوفته في حياتي.. مش بشري.. ولا حيوان.. مزج بين الإتنين أدى لوجود كائن مرعب.. كان بيبتسم.. من غير ما يفتح بوقه سمعت صوته وهو بيقول “مرحبًا بوريث ٱل سمعان.. بيننا وبينكم عهود متوارثة.. من جانبكم مجبرين بالحفاظ عليها ومن جانبنا مجبرين بإطاعتكم على ما لا يقدر لبني جنسكم على فعله..”
وبعد ما خلص كلامه كل حاجة رجعت لطبيعتها.. رجعت في شقة أبويا وهو بيبصلي بصة ممزوجة بالشفقة مع السخرية.. إبتسم وقالي “أنا فاكر صعوبة أول مرة شوفته.. وعارف أن اليومين الجايين كمان هيكونوا صعبين عليك.. لكن في المقابل هتفوز بالنعيم.. كل طلباتك هتكون مجابة قبل ما تقوم من مكانك.. هما دايمًا قادرين على ده”
وسابني أبويا وبدأ يستقبل الزباين زي ما بيقول.. حضرت مع أبويا قبل كده جلساته لكن مكنتش كده.. المرادي مختلفة.. كنت بسمع ابويا بيكلم نفسه وبيبص لكيانات مش موجودة.. المرادي أنا سامع حد بيرد عليه.. وشايف هو بيكلم مين!
عشرات شبه الكائن المضئ اللي شوفته.. محاوطين ابويا والضيف اللي قدامه.. واحد منهم مكلف بنقل كل المعلومات عن الضيف اللي قاعد لابويا.. كل حاجة هو محتاج يعرفها.. وواحد تاني بيملي ابويا كلام غريب يقوله.. وواحد بيخرج ورا الضيف لما يمشي ومبيرجعش تاني.. بيفضل معاه ملازمه زي ضله.
خلص اليوم ولقيت ابويا بيقولي أجهز عشان تحضر أول جلسة.. مشيت وراه مسلوب الإرادة.. وروحنا نحضر الجلسة.. روحنا مكان فاضي.. أو أنا كنت فاكر كده.. كان مليان قطط.. قطط كتير.. مش هبالغ لو قولت أن ده أكبر تجمع لقطط شوفته في حياتي.. بدأت القطط تتجمع حوالينا.. التجمع ده عمل دايرة إحنا وسطها.. وبدأت القطط تطلع أصوات غريبة.. بس مش الغريب انها كلمات ونغمات مش مفهومة طالعة من قطط.. الغريب إن النغمات دي كانت متجانسة كأنهم بيعزفوا لحن.. لحن جميل مش مزعج رغم انه مرعب لما تبص على مصدره.. خوفت وبصيت على ابويا لقيته في دنيا تانية.. كان بيعمل زي دراويش المولد.. بيميل بجسمه شمال ويمين.. ندهتله مكنش سامعني.. صوت جوايا قالي أعمل زيه.. وفعلًا بكل طوع للصوت للمجهول بدأت أعمل زي ابويا.. اتدروشت.
جلسة ورا جلسة.. سنة ورا سنة.. لحد ما جه الوقت بعد سبع سنين من اليوم ده ولقيت ابويا بيقولي “انت كده بقيت جاهز.”
جاهز كان مقصود بيها إني أقدر اوجه الجن لخدمتي.. وأقدر اقابل الزباين مكانه.. وكانت أول مقابله مع واحدة.. ست كبيرة دخلت عليا وهي في منتهى الخوف والرعب.. كان حواليا أكتر من جني مستنين إشارة مني عشان يبدأوا شغلهم.. وفعلاً بمجرد ما أمرت الأول بدأ يقولي كل حاجة عنها.. نوال بنت عزيزة.. بنتها أسماء كسرت سن التلاتين ولسه متجوزتش.. كل ما تحب حد ويتقدملها يجراله حاجة.. وقالي كمان إن السبب في ده عمل معمول لبنتها بمنع الجواز وإن بنتها ممسوسة بجن قوي.. وبمجرد ما قولت للست المعلومات دي قامت باست على إيدي برغم إني من دور أحفادها.. بعد الموقف ده حسيت إحساس بالقوة لا مثيل له.. حسيت إني اقوى انسان عالأرض.. بدأت أتكلم بثقة إن مشكلتها هي وبنتها هتتحل لكن لازم تيجي بكرة ومعاها بنتها.. وفعلًا تاني يوم جت ومعاها أسماء بنتها.. بمجرد دخول البنت لمحت وراها جني باين من شكله القوة.. لكن واضح إن أتباعي كانوا أقوى منه.. بمجرد ما دخل وسيطر عليه الغضب والخوف.. وده إنتقل للبنت أسماء اللي بدأت تصرخ بشكل هيستيري وتطلب تروح.. صوتها هي والجني وهما بيصرخوا وبيقولوا جملة واحدة “عايز أمشي من هنا”.. تشنجاتها الناتجة عن خوف الجني بمجرد دخوله.. كل دي حاجات حسستني بالعظمة والقوة.. أمرت أتباعي من الجن يصرفوا الجني ده عنها وفعلًا.. البنت راحت عنها التشنجات وحالة الخوف والرعب.. مشيت من عندي وعرفت بعد كده إن حالتها اتحسنت وإنها إتجوزت.
كل ده ولسه معرفتش المقابل.. انا كل طلباتي مُجابة.. كل أوامري بتتنفذ.. روحت لأبويا وسألته.. إيه مقابل خدمة الجن ليا.. ضحك ورد بصوته العجوز “المقابل وصل.. يابني.. وهتعرفه مع الوقت” ورفض يقولي أي حاجة تاني.
فات فترة وفي ليلة صحيت على إتصال من ام أسماء.. كانت بتعيط ومش فاهم منها كلمة.. واحدة واحدة بدأت أفهم.. كانت بتقول “جوز بنتي النار مسكت فيه لوحدها.. حاولوا يطفوه معرفوش ولما مات النار أتطفت لوحدها” مع كلامها حسيت بدرجة حرارة الأوضة بتزيد.. بصيت حواليا لقيت الجني اللي كان مع أسماء ومعاه عشرات من الجن حواليه..
يُتبع….
الجزء الثاني
***********
بصيت حواليا لقيت الجني اللي كان مع أسماء ومعاه عشرات من الجن حواليه.. على وشه غضب مرعب والحرارة لسه بتزيد.. مبقتش قادر أستحملها.. بحارب علشان أتنفس.. وفقدت الوعي.
فوقت لقيتني في صحراء.. بس مش صحراء عادية.. الرمل كان لونه أحمر.. كل حاجة هنا غالب عليها اللون الاحمر.. السما.. الجبال، لفت انتباهي وأنا ببص للجبال إضاءة جاية من جوا الجبل.. مشيت ناحية الإضاءة لقيتني داخل في كهف.. وطالع منه أصوات مرعبة.. مش صريخ.. أشخاص بتتكلم عادي بس ولا اللغة عادية ولا نبرة صوتهم عادية.. أنا عارف النبرة دي.. دي نبرة صوت الجن.!
دخلت الكهف بحذر ولقيت فعلًا زي إجتماع بين عشيرتين من الجن
العشيرة اللي بتخدمني.. وعشيرة الجني التاني.. الغضب والتهديد ملهوش لغة.. كان باين في كلامهم حتى وأنا مش فاهمهم.. النقاش إحتد ووصل بيهم لنهاية المطاف.. الحرب.. دارت حرب بين العشيرتين عرفت فيها إن اللي بتخدمني واحدة من أقوى عشائر الجن.. غير القوة البدنية مهارتهم في إستخدام الرماح والسيوف عالية جدًا.. بمجرد سقوط ٱخر جني من العشيرة التانية حسيت بالحرارة بتزيد تاني.. وكل عشيرتي وجهت وشها ناحيتي وقالوا كلمة مش مفهومة وسجدوا.. لفبت علشان ألاقي السجود ده مش ليا.. كان لقائد العشيرة.. وشه الغاضب كان مزود ملامح الرعب عليه.. إتكلم.. سمعت صوته جوا راسي وانا شايف شفايفه مبتتحركش.. كان بيقول بلهجة غاضبة فيها تهديد وأوامر “إحنا بسببك عادينا عشيرة كبيرة.. وبدأنا حرب هتمتد لٱلاف السنين.. زي ما ساعدناك لازم تساعدنا”
– أساعدك إزاي؟
الجن: زي ما بتعمل.. بس هتزود مجهودك في الٱذية.. سبب أكبر قدر من الٱذية.. وصل الٱذى للموت.. ولو طولت تقتل بإيدك إقتل!
ده بيزودنا قوة ونفوذ في عالم الجان.. وبيزود قربنا للحاكم الأعظم.. وكل ما زادت قوتنا ونفوذنا ووقربنا منه.. الحرب هتنتنهي أسرع.
معرفتش أقول إيه.. هويت راسي بالموافقة وسكتت.
بعد اليوم ده أنا إتحولت لوحش.. شيطان.. بأذي بشكل مرعب.. عرفت ايه المقابل.. وكل ما كنت بأذي أكتر.. كل ما كنت بزيد قوة وبطش.
في يوم جالي شيطان من شياطين الإنس.. أخوه كان واكل عليه ورثه لحد ما اخوه مات فقرر ينتقم من ولاد أخوه ومن أخوه الميت.!
على قد ما كنت مستغرب جحود الإنسان اللي قدامي.. كنت مبسوط لإني عارف ان حاجة زي دي هتزود مكانتي عند الجن.. وإتفقت مع “مرعي” الشخص اللي طلب من أشية أخوه الميت وولاده إننا هنفذ في يوم يكون العيال بتزور أبوهم في المقابر وطلبت منه يبلغني مجرد ما ده يحصل
اليوم ده كان زي العيد عند عشيرة الجن.. أذية أحياء في عيشتهم وأموات في تربتهم.. في اليوم ده روحنا مقابر العيلة بعد الفجر.. أنا بذاكر التعاويذ اللي هتتقال وهما بيرقصوا!
بيرقصوا في المقابر.. لحد ما جه الوقت المنتظر.. الولاد جم يزوروا أبوهم ومرعي عمهم كان معاهم وبدأت
(تم حذف التعويذة)
خلصت وإنسحبت بهدوء.. بعدت وانا بتفرج على أقسى أفلام الرعب اللي ممكن حد يشوفها ف حياته.. مهما صُناع الأفلام إجتهدوا ووسعوا خيالهم مش هيطلعوا مشاهد بالقسوة والرعب ده.. مع الاختلاف ان ده مش فيلم..
في البداية إختفت كل الجان اللي كانوا حواليا.. كل المقابر بدأ يطلع منها دخان.. دخان بشكل مش طبيعي كأنها بتولع.!
ومع زيادة الدخان بدأت تطلع أصوات من جوا المقابر.. أصوات ناس بتتعذب.. رجالة وستات وأطفال.. كل الموجودين في المقابر الرعب اتملك منهم.. ما عدا الشيطان مرعي.. ولما الكل حاول يجري وقف قدام كل شخص أفعى.. أفاعي كتير وضخمة طالعة من كل مكان في المقابر ومحاوطين كل الأحياء.. والأموات بيتعذبوا تحت الأرض.. أنا اللي عملت كل ده!
الجحيم ده انا السبب فيه!
مقدرتش استحمل.. سيبت كل حاجة وهربت.. مش عارف اللي جاي ف حياتي ايه ولا هيحصلي ايه.. كل ليلة بشوف كوابيس.. الناس اللي كانت ف المقابر اللي ٱذتهم.. كل اللي ٱذتهم في حياتي بيزروني كل ليلة.. حياتي بقت جحيم أستاهله لآني عيشت فيه ناس كتير.. وجه وقت إنتقامهم.. ولسه معرفش عشيرة الجان هتعمل ايه لما تعرف إني سيبت كل حاجة وهربت وقررت أتوب ومشتغلش الشغلانة دي تاني.!